الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ الشرح: قوله (باب النذر في الطاعة) أي حكمه. ويحتمل أن يكون باب بالتنوين ويريد بقوله النذر في الطاعة حصر المبتدأ في الخبر فلا يكون نذر المعصية نذرا شرعا. قوله وذكر هذه الآية مشيرا إلى أن الذي وقع الثناء على فاعله نذر الطاعة، وهو يؤيد ما تقدم قريبا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ الشرح: قوله (عن طلحة بن عبد الملك) هو الأيلي بفتح الهمزة وسكون المثناة من تحت نزيل المدينة، ثقة عندهم من طبقة ابن جريج، والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. ذكر ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث أن طلحة تفرد برواية هذا الحديث عن القاسم، وليس كذلك، فقد تابعه أيوب ويحيى بن أبي كثير عند ابن حبان، وأشار الترمذي إلى رواية يحيى ومحمد بن أبان عند ابن عبد البر وعبيد الله بن عمر عند الطحاوي، ولكن أخرجه الترمذي من رواية عبيد الله بن عمر عن طلحة عن القاسم، وأخرجه البزار من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان فرجعت رواية عبيد الله إلى طلحة ورواية يحيى إلى محمد بن أبان وسلمت رواية أيوب من الاختلاف وهي كافية في رد دعوى انفراد طلحة به، وقد رواه أيضا عبد الرحمن بن المجبر بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الموحدة عن القاسم أخرجه الطحاوي. قوله (من نذر أن يطيع الله فليطعه إلخ) الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب، ويتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقته، كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته، وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيده به الناذر والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية، وهل يجب في الثاني كفارة يمين أو لا؟ قولان للعلماء سيأتي بيانهما بعد بابين، ويأتي أيضا بيان الحكم فيما سكت عنه الحديث وهو نذر المباح. وقد قسم بعض الشافعية الطاعة إلى قسمين: واجب عينا فلا ينعقد به النذر كصلاة الظهر مثلا وصفة فيه فينعقد كإيقاعها أول الوقت، وواجب على الكفاية كالجهاد فينعقد ومندوب عبادة عينا كان أو كفاية فينعقد ومندوب لا يسمى عبادة كعيادة المريض وزيارة القادم ففي انعقاده وجهان والأرجح انعقاده وهو قول الجمهور والحديث يتناوله فلا يخص من عموم الخبر إلا القسم الأول لأنه تحصيل الحاصل. *3* الشرح: قوله (باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم) أي هل يجب عليه الوفاء أو لا؟ والمراد بالجاهلية جاهلية المذكور وهو حاله قبل إسلامه، وأصل الجاهلية ما قبل البعثة، وقد ترجم الطحاوي لهذه المسألة من نذر وهو مشرك ثم أسلم فأوضح المراد، وذكر فيه حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية أنه يعتكف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك" الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ الشرح: حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية أنه يعتكف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " قال ابن بطال قاس البخاري اليمين على النذر وترك الكلام على الاعتكاف فمن نذر أو حلف قبل أن يسلم على شيء يجب الوفاء به لو كان مسلما فإنه إذا أسلم يجب عليه على ظاهر قصة عمر، قال وبه يقول الشافعي وأبو ثور، كذا قال وكذا نقله ابن حزم عن الإمام الشافعي، والمشهور عند الشافعية أنه وجه لبعضهم وأن الشافعي وجل أصحابه على أنه لا يجب بل يستحب وكذا قال المالكية والحنفية، وعن أحمد في رواية يجب وبه جزم الطبري والمغيرة بن عبد الرحمن من المالكية والبخاري وداود وأتباعه. قلت: إن وجد عن البخاري التصريح بالوجوب قبل وإلا فمجرد ترجمته لا يدل على أنه يقول بوجوبه لأنه محتمل لأن يقول بالندب فيكون تقدير جواب الاستفهام يندب له ذلك، قال القابسي: لم يأمر عمر على جهة الإيجاب بل على جهة المشورة كذا قال، وقيل أراد أن يعلمهم أن الوفاء بالنذر من آكد الأمور فغلظ أمره بأن أمر عمر بالوفاء، واحتج الطحاوي بأن الذي يجب الوفاء به ما يتقرب به إلى الله والكافر لا يصح منه التقرب بالعبادة، وأجاب عن قصة عمر باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بأن يفعل ما كان نذره فأمره به لأن فعله حينئذ طاعة لله تعالى فكان ذلك خلاف ما أوجبه على نفسه لأن الإسلام يهدم أمر الجاهلية. قال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث يخالف هذا، فإن دل دليل أقوى منه على أنه لا يصح من الكافر قوي هذا التأويل وإلا فلا. قوله (عبد الله) هو ابن المبارك. قوله (عبيد الله بن عمر) هو العمري، ولعبد الله بن المبارك فيه شيخ آخر تقدم في غزوة حنين فأخرجه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن أيوب عن نافع وأول حديثه " لما قفلنا من حنين سأل عمر " فذكر الحديث فأفاد تعيين زمان السؤال المذكور، وقد بينت الاختلاف على نافع ثم على أيوب في وصله وإرساله هناك وكذا ذكرت فيه فوائد زوائد تتعلق بسياقه وكذلك في فرض الخمس، وتقدم في أبواب الاعتكاف ما يتعلق به وذكرت هناك ما يرد على من زعم أن عمر إنما نذر بعد أن أسلم وعلى من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل النهي عن الصيام في الليل، وبقي هنا ما يتعلق بالنذر إذا صدر من شخص قبل أن يسلم ثم أسلم هل يلزمه؟ وقد ذكرت ما فيه. وقوله "أوف بنذرك " لم يذكر في هذه الرواية متى اعتكف، وقد تقدم في غزوة حنين التصريح بأن سؤاله كان بعد قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالطائف، وتقدم في فرض الخمس أن في رواية سفيان بن عيينة عن أيوب من الزيادة " قال عمر فلم أعتكف حتى كان بعد حنين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية من السبي، فبينا أنا معتكف إذ سمعت تكبيرا " فذكر الحديث في من النبي صلى الله عليه وسلم على هوازن بإطلاق سبيهم، وفي الحديث لزوم النذر للقربة من كل أحد حتى قبل الإسلام وقد تقدمت الإشارة إليه، أجاب ابن العربي بأن عمر لما نذر في الجاهلية ثم أسلم أراد أن يكفر ذلك بمثله في الإسلام فلما أراده ونواه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه أنه لزمه، قال: وكل عبادة ينفرد بها العبد عن غيره تنعقد بمجرد النية العازمة الدائمة كالنذر في العبادة والطلاق في الأحكام وإن لم يتلفظ بشيء من ذلك، كذا قال، ولم يوافق على ذلك بل نقل بعض المالكية الاتفاق على أن العبادة لا تلزم إلا بالنية مع القول أو الشروع، وعلى التنزل فظاهر كلام عمر مجرد الإخبار بما وقع مع الاستخبار عن حكمه هل لزم أو لا؟ وليس فيه ما يدل على ما ادعاه من تجديد نية منه في الإسلام. وقال الباجي: قصة عمر هي كمن نذر أن يتصدق بكذا إن قدم فلان بعد شهر فمات فلان قبل قدومه فإنه لا يلزم الناذر قضاؤه فإن فعله فحسن، فلما نذر عمر قبل أن يسلم وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بوفائه استحبابا وإن كان لا يلزمه لأنه التزمه في حالة لا ينعقد فيها. ونقل شيخنا في شرح الترمذي أنه استدل به على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وإن كان لا يصح منهم إلا بعد أن يسلموا لأمر عمر بوفاء ما التزمه في الشرك، ونقل أنه لا يصح الاستدلال به لأن الواجب بأصل الشرع كالصلاة لا يجب عليهم قضاؤها فكيف يكلفون بقضاء ما ليس واجبا بأصل الشرع؟ قال: ويمكن أن يجاب بأن الواجب بأصل الشرع مؤقت بوقت وقد خرج قبل أن يسلم الكافر ففات وقت أدائه فلم يؤمر بقضائه لأن الإسلام يجب ما قبله، فأما إذا لم يؤقت نذره فلم يتعين له وقت حتى أسلم فإيقاعه له بعد الإسلام يكون أداء لاتساع ذلك باتساع العمر. قلت: وهذا البحث يقوي ما ذهب إليه أبو ثور ومن قال بقوله، وإن ثبت النقل عن الشافعي بذلك فلعله كان يقوله أولا فأخذه عنه أبو ثور، ويمكن أن يؤخذ من الفرق المذكور وجوب الحج على من أسلم لاتساع وقته بخلاف ما فات وقته، والله أعلم. (تنبيه) : المراد بقول عمر في الجاهلية قبل إسلامه لأن جاهلية كل أحد بحسبه، ووهم من قال: الجاهلية في كلامه زمن فترة النبوة والمراد بها هنا ما قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن هذا يتوقف على نقل، وقد تقدم أنه نذر قيل أن يسلم وبين البعثة وإسلامه مدة. *3* وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ صَلِّي عَنْهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ الشرح: قوله (باب من مات وعليه نذر) أي هل يقضى عنه أو لا؟ والذي ذكره في الباب يقتضي الأول، لكن هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ خلاف يأتي بيانه. قوله (وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء) يعني فماتت (فقال صلى عنها. وقال ابن عباس نحوه) وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها، وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس قال: إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه. ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس اعتكف عن أمك. وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ: إنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد. وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد أورده ابن عبد البر من طريقه موقوفا ثم قال: والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب. قلت: ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي، ثم وجدت عنه ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال: يصام عنه النذر. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله " صلى عنها " العمل بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " فعد منها الولد لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره، فمعنى صلى عنها أن صلاتك مكتتبة لها ولو كنت إنما تنوي عن نفسك، كذا قال ولا يخفى تكلفه. وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد، وإلى ذلك جنح ابن وهب وأبو مصعب من أصحاب الإمام مالك، وفيه تعقب على ابن بطال حيث نقل الإجماع أنه لا يصلي أحد عن أحد لا فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت، ونقل عن المهلب أن ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك أن يفعله عن أبويه، ولما نهي عن الاستغفار لعمه، ولبطل معنى قوله وجميع ما قال لا يخفى وجه تعقبه خصوصا ما ذكره في حق الشارع، وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقا والله أعلم. (تنبيه) : ذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ " قال صلى عليها " وجه بأن " على " بمعنى " عن " على رأي قال: أو الضمير راجع إلى قباء. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ الشرح: حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى في نذر كان على أمه، وقد تقدم شرحه في كتاب الوصايا وذكرت من قال فيه عن سعد بن عبادة فجعله من مسنده. قوله في آخر الحديث في قصة سعد بن عبادة (فكانت سنة بعد) أي صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبا أو ندبا، ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن الزهري، فقد أخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن عيينة ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائي من رواية الأوزاعي والإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة وابن أبي عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري بدونها، وأظنها من كلام الزهري ويحتمل من شيخه، وفيها تعقب على ما نقل عن مالك لا يحج أحد عن أحد، واحتج بأنه لم يبلغه عن أحد من أهل دار الهجرة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حج عن أحد ولا أمر به ولا أذن فيه، فيقال لمن قلد، قد بلغ ذلك غيره؛ وهذا الزهري معدود في فقهاء أهل المدينة وكان شيخه في هذا الحديث، وقد استدل بهذه الزيادة ابن حزم للظاهرية ومن وافقهم في أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات، قال: وقد وقع نظير ذلك في حديث الزهري عن سهيل في اللعان لما فارقها الرجل قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها قال: فكانت سنة. واختلف في تعيين نذر أم سعد فقيل كان صوما لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " جاء رجل فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم " الحديث، وتعقب بأنه لم يتعين أن الرجل المذكور هو سعد بن عبادة، وقيل كان عتقا قاله ابن عبد البر، واستدل بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد " أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ قال: نعم " وتعقب بأنه مع إرساله ليس فيه التصريح بأنها كانت نذرت ذلك، وقيل كان نذرها صدقة وقد ذكرت دليله من الموطأ وغيره من وجه آخر عن سعد بن عبادة " أن سعدا خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لأمه: أوص، قالت: المال مال سعد؛ فتوفيت قبل أن يقدم فقال: يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم " وعند أبي داود من وجه آخر نحوه وزاد " فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء " الحديث. وليس في شيء من ذلك التصريح بأنها نذرت ذلك. قال عياض: والذي يظهر أنه كان نذرها في المال أو مبهما. قلت: بل ظاهر حديث الباب أنه كان معينا عند سعد والله أعلم. وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا، واستدل للجمهور بقصة أم سعد هذه، وقول الزهري إنها صارت سنة بعد، ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرع به. وفيه استفتاء الأعلم، وفيه فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم. وقد اختلف أهل الأصول في الأمر بعد الاستئذان هل يكون كالأمر بعد الحظر أو لا؟ فرجح صاحب " المحصول " أنه مثله، والراجح عند غيره أنه للإباحة كما رجح جماعة في الأمر بعد الحظر أنه للاستحباب. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ الشرح: حديث ابن عباس " أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت " الحديث وفيه " فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء " وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الحج، وذكر الاختلاف في السائل أهو رجل كما وقع هنا أو امرأة كما وقع هناك؟ وأنه الراجح، وذكرت ما قيل في اسمها وأنها حمنة، وبينت أنها هي السائلة عن الصيام أيضا، وبالله التوفيق. *3* الشرح: قوله (باب النذر فيما لا يملك وفي معصية) وقع في شرح ابن بطال " ولا نذر في معصية " وقال: ذكر فيه حديث عائشة " من نذر أن يطيع الله فليطعه " الحديث، وحديث أنس في الذي رآه يمشي بين ابنيه فنهاه، وحديث ابن عباس في الذي طاف وفي أنفه خزامة فنهاه، وحديثه في الذي نذر أن يقوم ولا يستظل فنهاه، قال ولا مدخل لهذه الأحاديث في النذر فيما لا يملك وإنما تدخل في نذر المعصية، وأجاب ابن المنير بأن الصواب مع البخاري فإنه تلقى عدم لزوم النذر فيما لا يملك من عدم لزومه في المعصية لأن نذره في ملك غيره تصرف في ملك الغير بغير إذنه وهي معصية ثم قال: ولهذا لم يقل باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية بل قال النذر فيما لا يملك ولا نذر في معصية. فأشار إلى اندراج نذر مال الغير في نذر المعصية فتأمله انتهى. وما نفاه ثابت في معظم الروايات عن البخاري لكن بغير لام وهو لا يخرج عن التقرير الذي قرره لأن التقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في معصية، فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه تصرفا في ملك الغير. وقال الكرماني: الدلالة على الترجمة من جهة أن الشخص لا يملك تعذيب نفسه ولا التزام المشقة التي لا تلزمه حيث لا قربة فيها، ثم استشكله بأن الجمهور فسروا ما لا يملك بمثل النذر بإعتاق عبد فلان انتهى. وما وجهه به ابن المنير أقرب، لكن يلزم عليه تخصيص ما لا يملك بما إذا نذر شيئا معينا كعتق عبد فلان إذا ملكه مع أن اللفظ عام فيدخل فيه ما إذا نذر عتق عبد غير معين فإنه يصح، ويجاب بأن دليل التخصيص الاتفاق على انعقاد النذر في المبهم وإنما وقع الاختلاف في المعين، وقد تقدم التنبيه في " باب من حلف بملة سوى الإسلام " على الموضع الذي أخرج البخاري فيه التصريح بما يطابق الترجمة وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ " وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك " وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من الحديث. وأخرج أبو داود سبب هذا الحديث مقتصرا عليه أيضا ولفظه: نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر ببوانة - يعني موضعا وهو بفتح الموحدة وتخفيف الواو وبنون - فذكر الحديث، وأخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت أسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الذين أسروا المرأة انتهبوها فنذرت إن سلمت أن تنحرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي ثعلبة الحديث دون القصة بنحوه، ووقعت مطابقة جميع الترجمة في حديث عمران بن حصين المذكور، وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن سلمة مثله وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك " وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، واختلف فيمن وقع منه النذر في ذلك هل تجب فيه كفارة؟ فقال الجمهور: لا، وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم، ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين، واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة، واحتج من أوجبها بحديث عائشة " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " أخرجه أصحاب السنن ورواته ثقات، لكنه معلول فإن الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين أنه حمله عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه بإسقاط اثنين، وحسن الظن بسليمان وهو عند غيره ضعيف باتفاقهم، وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصح، ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه وشواهد أخرى ذكرتها آنفا. وأخرج الدار قطني من حديث عدي بن حاتم نحوه. وفي الباب أيضا عموم حديث عقبة بن عامر " كفارة النذر كفارة اليمين " أخرجه مسلم، وقد حمله الجمهور على نذر اللجاج والغضب وبعضهم على النذر المطلق، لكن أخرج الترمذي وابن ماجه حديث عقبة بلفظ " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين " ولفظ ابن ماجه " من نذر نذرا لم يسمه " الحديث، وفي الباب حديث ابن عباس رفعه " من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين " أخرجه أبو داود، وفيه " ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " ورواته ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه، وأخرجه الدار قطني من حديث عائشة، وحمله أكثر فقهاء أصحاب الحديث على عمومه لكن قالوا: إن الناذر مخير بين الوفاء بما التزمه وكفارة اليمين، وقد تقدم حديث عائشة المذكور أول الباب قريبا وهو بمعنى حديث " لا نذر في معصية " ولو ثبتت الزيادة لكانت مبينة لما أجمل فيه، واحتج بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس يقتضيه، لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته أن تحج ماشية لتكفر عن يمينها فسمي النذر يمينا، ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شيء، والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء ثم بين أن النذر آكد من اليمين ورتب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة بخلاف الحالف، وهو وجه للحنابلة، واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة فتعينت، واستدل بحديث " لا نذر في معصية " لصحة النذر في المباح لأن فيه نفي النذر في المعصية فبقي ما عداه ثابتا، واحتج من قال إنه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة " أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: أوف ينذرك " وزاد في حديث بريدة أن ذلك وقت خروجه في غزوة فنذرت إن رده الله تعالى سالما. قال البيهقي: يشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة، ولا يلزم من ذلك القول بانعقاد النذر به، ويدل على أن النذر لا ينعقد في المباح حديث ابن عباس ثالث أحاديث الباب فإنه أمر الناذر بأن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل ويصوم ولا يفطر بأن يتم صومه ويتكلم ويستظل ويقعد، فأمره بفعل الطاعة وأسقط عنه المباح. وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا " إنما النذر ما يبتغى به وجه الله " والجواب عن قصة التي نذرت الضرب بالدف ما أشار إليه البيهقي، ويمكن أن يقال: إن من قسم المباح ما قد يصير بالفصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوى على قيام الليل وأكلة السحر للتقوى على صيام النهار، فيمكن أن يقال إن إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه وسلم سالما معنى مقصود يحصل به الثواب، وقد اختلف في جواز الضرب بالدف في غير النكاح والختان، ورجح الرافعي في " المحرر " وتبعه في " المنهاج " الإباحة، والحديث حجة في ذلك، وقد حمل بعضهم إذنه لها في الضرب بالدف على أصل الإباحة لا على خصوص الوفاء بالنذر كما تقدم، ويشكل عليه أن في رواية أحمد في حديث بريدة " إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا " وزعم بعضهم أن معنى قولها " نذرت " حلفت، والإذن فيه للبر بفعل المباح، ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث " أن عمر دخل فتركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر " فلو كان ذلك مما يتقرب به ما قال ذلك، لكن هذا بعينه يشكل على أنه مباح لكونه نسبه إلى الشيطان، ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أن الشيطان حضر لمحبته في سماع ذلك لما يرجوه من تمكنه من الفتنة به فلما حضر عمر فر منه لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك، أو أن الشيطان لم يحضر أصلا وإنما ذكر مثالا لصورة ما صدر من المرأة المذكورة وهي إنما شرعت في شيء أصله من اللهو فلما دخل عمر خشيت من مبادرته لكونه لم يعلم بخصوص النذر أو اليمين الذي صدر منها فشبه النبي صلى الله عليه وسلم حالها بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر والشيء بالشيء يذكر، وقرب من قصتها قصة القينتين اللتين كانتا تغنيان عند النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فأنكر أبو بكر عليهما وقال " أبمزمور الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم " فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة مثل ذلك في يوم العيد. فهذا ما يتعلق بحديث عائشة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَرَآهُ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ الشرح: حديث أنس وهو الثاني من أحاديث الباب فذكره هنا مختصرا وتقدم في أواخر الحج قبيل فضائل المدينة بتمامه وأوله " رأى شيخا يهادي بين ابنيه قال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي " فذكر الحديث وفيه " وأمره أن يركب " وقوله (قال الفزاري) يعني مروان بن معاوية (عن حميد حدثني ثابت عن أنس) كأنه أراد بهذا التعليق تصريح حميد بالتحديث، وقد وصله في الباب المشار إليه في الحج عن محمد بن سلام عن الفزاري، وبينت هناك من رواه عن حميد موافقا للفزاري ومن رواه عن حميد بدون ذكر ثابت فيه، وذكر المصنف هناك حديث عقبة بن عامر قال " ندرت أختي أن تمشي إلى بيت الله " الحديث وفيه " لتمشي ولتركب " وتقدم بعض الكلام عليه ثم. ووقع للمزي في " الأطراف " فيه وهم فإنه ذكر أن البخاري أخرجه في الحج عن إبراهيم بن موسى وفي النذور عن أبي عاصم، والموجود في نسخ البخاري أن الطريقين معا في الباب المذكور من الحج، وليس لحديث عقبة في النذور ذكر أصلا، وإنما أمر الناذر في حديث أنس أن يركب جزما وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب، لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت، وبهذا ترجم البيهقي للحديث، وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس " أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية فقال: إن الله غني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة " وأصله عند أبي داود بلفظ " ولتهد هديا " ووهم من نسب إليه أنه أخرج هذا الحديث بلفظ ولتهد بدنة، وأورده من طريق أخرى عن عكرمة بغير ذكر الهدي، وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ " جاء رجل فقال إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت وأنه يشق عليها المشي، فقال: مرها فلتركب إذا لم تستطع أن تمشي فما أغنى الله أن يشق على أختك " ومن طريق كريب عن ابن عباس " جاء رجل فقال: يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية، فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا، لتحج راكبة ثم لتكفر يمينها " وأخرجه أصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال " نذرت أختي أن تحج ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام " ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدي، وقد أخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة " نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة " وفيه " لتركب ولتلبس ولتصم " وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن عامر نحوه. وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي هريرة " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال نفرت منه الإبل، فإذا امرأة عريانة نافضة شعرها، فقالت: نذرت أن أحج ماشية عريانة نافضة شعري، فقال: مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما " وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه " إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب " وفي سنده انقطاع، وفي الحديث صحة النذر بإتيان البيت الحرام، وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لا ينعقد، ثم إن نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لترفهه بتوفر مؤنة الركوب، وإن نذره ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن تنتهي العمرة أو الحج، وهو قول صاحبي أبي حنيفة، فإن ركب بعذر أجزأه ولزمه دم في أحد القولين عن الشافعي، واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة؟ وإن ركب بلا عذر لزمه الدم، وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا إن عجز مطلقا فيلزمه الهدي، وليس في طرق حديث عقبة ما يقتضي الرجوع، فهو حجة للشافعي ومن تبعه، وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شيء مطلقا، قال القرطبي زيادة الأمر بالهدي رواتها ثقات ولا ترد، وليس سكوت من سكت عنها بحجة على من حفظها وذكرها، قال: والتمسك بالحديث في عدم إيجاب الرجوع ظاهر، ولكن عمدة مالك عمل أهل المدينة. (تنبيه) : يقال إن الرجل المذكور في حديث أنس هو أبو إسرائيل المذكور في حديث ابن عباس الذي بعد الباب، كذا نقله مغلطاي عن الخطيب، وهو تركيب منه، وإنما ذكر الخطيب ذلك في الرجل المذكور في حديث ابن عباس آخر الباب، وتغاير القصتين أوضح من أن يتكلف لبيانه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ الشرح: حديث ابن عباس في الذي طاف بزمام وهو الحديث الثالث فأورده بعلو عن أبي عاصم عن ابن جريج ولفظه " رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه " ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج بلفظ " مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها ثم أمره أن يقوده بيده " والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا، وقد تقدم في " باب الكلام في الطواف " من كتاب الحج من هذين الوجهين عن ابن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود، ووجه إدخاله في أبواب النذر، وأنه عند النسائي من وجه آخر عن ابن جريج، وفيه التصريح بأنه نذر ذلك وأن الداودي استدل به على أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لا ينعقد نذره، وتعقب ابن التين له والجواب عن الداودي وتصويبه في ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ الشرح: حديث ابن عباس في الذي طاف بزمام وهو الحديث الثالث فأورده بعلو عن أبي عاصم عن ابن جريج ولفظه " رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه " ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج بلفظ " مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها ثم أمره أن يقوده بيده " والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا، وقد تقدم في " باب الكلام في الطواف " من كتاب الحج من هذين الوجهين عن ابن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود، ووجه إدخاله في أبواب النذر، وأنه عند النسائي من وجه آخر عن ابن جريج، وفيه التصريح بأنه نذر ذلك وأن الداودي استدل به على أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لا ينعقد نذره، وتعقب ابن التين له والجواب عن الداودي وتصويبه في ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: وهيب في سنده هو ابن خالد، وعبد الوهاب الذي علق عنه البخاري آخر الباب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقد يتمسك بهذا من يرى أن الثقات إذا اختلفوا في الوصل والإرسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة العلم، لأن وهيبا وعبد الوهاب ثقتان، وقد وصله وهيب وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك، والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح إلا إن استووا فيقدم الوصل، والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله، قال الإسماعيلي: وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي. قلت وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال فيستوي الطرفان فيترجح الوصل، وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوة أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل. قوله (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب) زاد الخطيب في " المبهمات " من وجه آخر " يوم الجمعة". قوله (إذا هو برجل) في رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب " إذ التفت فإذا هو برجل". قوله (قائم) زاد أبو داود عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه " في الشمس " وكذا في رواية أبي يعلى. وفي رواية طاوس " وأبو إسرائيل يصلي". قوله (فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل) في رواية أبي داود " فقالوا هو أبو إسرائيل " زاد الخطيب " رجل من قريش". قوله (نذر أن يقوم) قال البيضاوي: ظاهر اللفظ السؤال عن اسمه فلذلك ذكروه وزادوا فعله، قال: ويحتمل أن يكون سأل عن حاله فذكروه وزادوا التعريف به ثم قال: ولعله لما كان السؤال محتملا ذكروا الأمرين جميعا. قوله (ولا يستظل) في رواية الخطيب " ويقوم في الشمس". قوله (مره) في رواية أبي داود " مروه " بصيغة الجمع. وفي رواية طاوس " ليقعد وليتكلم " وأبو إسرائيل المذكور لا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة واختلف في اسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغر، وقيل يسير بتحتانية ثم مهملة مصغر أيضا، وقيل قيصر باسم ملك الروم، وقيل بالسين المهملة بدل الصاد، وقيل بغير راء في آخره، وهو قرشي ثم عامري، وترجم له ابن الأثير في الصحابة تبعا لغيره فقال: أبو إسرائيل الأنصاري. واغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من الأنصار، والأول أولى. وفي حديثه أن السكوت عن المباح ليس من طاعة الله، وقد أخرج أبو داود من حديث علي " ولا صمت يوما إلى الليل " وتقدم في السيرة النبوية قول أبي بكر الصديق للمرأة إن هذا - يعني الصمت - من فعل الجاهلية " وفيه أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه، وأمره أن يقعد ويتكلم ويستظل، قال القرطبي: في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه فقد قال مالك لما ذكره: ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة. *3* الشرح: قوله (باب من نذر أن يصوم أياما) أي معينة (فوافق النحر أو الفطر) أي هل يجوز له الصيام أو البدل أو الكفارة؟ انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا عن نذر سواء عينهما أو أحدهما بالنذر أو وقعا معا أو أحدهما اتفاقا، فلو نذر لم ينعقد نذره عند الجمهور، وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء، وخالف أبو حنيفة فقال لو أقدم فصام وقع ذلك عن نذره، وقد تقدم بسط ذلك في أواخر الصيام، وذكرت هناك الاختلاف في تعيين اليوم الذي نذره الرجل وهل وافق يوم عيد الفطر أو النحر، وإني لم أقف على اسمه مع بيان الكثير من طرقه، ثم وجدت في ثقات ابن حبان من طريق كريمة بنت سيرين أنها " سألت ابن عمر فقالت: جعلت على نفسي أن أصوم كل أربعاء واليوم يوم أربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم النحر " ورواته ثقات، فلولا توارد الرواة بأن السائل رجل لفسرت المبهم بكريمة، ولا سيما في السند الأول فإن قوله سئل بضم أوله يشمل ما إذا كان السائل رجلا أو امرأة، وقد ظهر من رواية ابن حبان أنها امرأة فيفسر بها المبهم في رواية حكيم، بخلاف رواية زياد ابن جبير حيث قال فسأله رجل " ثم وجدت الخبر في كتاب الصيام ليوسف بن يعقوب القاضي أخرجه عن محمد بن أبي بكر المقدمي شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريقه وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولفظه أنه " سمع رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل نذر " فذكر الحديث، وفضيل في السند الأول بالتصغير وحكيم بفتح أوله وأبو حرة أبوه بضم المهملة والتشديد لا يعرف اسمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد أورده متابعا لرواية زيادة بن جبير عن ابن عمر، وفي سياق الرواية الأولى إشعار برجحان المنع عند ابن عمر فإن لفظه فقال " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لم يكن يصوم يوم الأضحى والفطر ولا يرى صيامهما " ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة في آخره: قال يونس بن عبيد فذكرت ذلك للحسن فقال: يصوم يوما مكانه، أخرجه من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع الذي أخرجه البخاري من طريقه. قال الكرماني: قوله " لم يكن " أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله " ولا نرى " بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله بن عمر، وفي بعضها بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم. قلت: وقع في رواية يوسف بن يعقوب المذكورة بلفظ " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما " ومثله في رواية الإسماعيلي، وجوز الكرماني - بناء على تعدد القصة - أن ابن عمر تغير اجتهاده فجزم بالمنع بعد أن كان يتردد ا هـ. وليس فيما أجاب به ابن عمر أولا وآخرا ما يصرح بالمنع في خصوص هذه القصة، وقد بسطت القول في ذلك في " باب صوم يوم النحر " وبالله التوفيق. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الْأَسْلَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا صَامَ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَلَا يَرَى صِيَامَهُمَا الشرح: انظر شرح الحديث في شرح الباب الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلَاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ الشرح: قوله (يونس) هو ابن عبيد وصرح به الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع. قوله (فأعاد عليه) زاد ابن المنهال في روايته " فخيل إلى الرجل أنه لم يفهم فأعاد عليه الكلام ثانية" *3* وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ قَالَ إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةِ الْمَسْجِدِ الشرح: قوله (باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة) قال ابن عبد البر وتبعه جماعة: المال في لغة دوس قبيلة أبي هريرة غير العين كالعروض والثياب، وعند جماعة المال هو العين كالذهب والفضة، والمعروف من كلام العرب أن كل ما يتمول ويملك فهو مال، فأشار البخاري في الترجمة إلى رجحان ذلك بما ذكره من الأحاديث كقول عمر " أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه " وقول أبي طلحة " أحب أموالي إلي بيرحاء " وقول أبي هريرة " لم نغنم ذهبا ولا ورقا " ويؤيده قوله تعالى وقال غيره: المال في الأصل العين، ثم أطلق على كل ما يتملك، واختلف السلف فيمن حلف أو نذر أنه يتصدق بماله على مذاهب تقدم نقلها في " باب إذا أهدى ماله " ومن قال كأبي حنيفة لا يقع نذره إلا على ما فيه الزكاة، ومن قال كمالك يتناول جميع ما يقع عليه اسم مال، قال ابن بطال: وأحاديث هذا الباب تشهد لقول مالك ومن تابعه. وقال الكرماني معنى قول البخاري " هل يدخل " أي هل يصح اليمين أو النذر على الأعيان مثل: والذي نفسي بيده إن هذه الشملة لتشتعل عليه نارا، ومثل أن يقول هذه الأرض لله ونحوه. قلت: والذي فهمه ابن بطال أولى فإنه أشار إلى أن مراد البخاري الرد على من قال إذا حلف أو نذر أن يتصدق بماله كله اختص ذلك بما فيه الزكاة دون ما يملكه مما سوى ذلك، ونقل محمد بن نصر المروزي في " كتاب الاختلاف " عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن نذر أن يتصدق بماله كله: يتصدق بما تجب فيه الزكاة من الذهب والفضة والمواشي لا فيما ملكه مما لا زكاة فيه من الأرضين والدور ومتاع البيت والرقيق والحمير ونحو ذلك فلا يجب عليه فيها شيء، ثم نقل بقية المذاهب على نحو ما قدمته في " باب من أهدى ماله " فعلى هذا فمراد البخاري موافقة الجمهور وأن المال يطلق على كل ما يتمول، ونص أحمد على أن من قال مالي في المساكين إنما يحمل ذلك على ما نوى أو على ما غلب على عرفه كما لو قال ذلك أعرابي فإنه لا يحمل ذلك إلا على الإبل، وحديث ابن عمر في قول عمر تقدم موصولا مشروحا في كتاب الوصايا، وقوله "وقال أبو طلحة " هو زيد بن سهل الأنصاري وقد تقدم موصولا أيضا هناك من حديث أنس في أبواب الوقف، وتقدم شيء من شرحه في كتاب الزكاة. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ الشرح: حديث أبي هريرة تقدم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي، وقوله فيه " فلم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال والمتاع والثياب " كذا للأكثر ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال بعضهم وفي تنزيل ذلك على لغة دوس نظر لأنه استثنى الأموال من الذهب والفضة فدل على أنه منها إلا أن يكون ذلك منقطعا فتكون " إلا " بمعنى لكن، كذا قال، والذي يظهر أن الاستثناء من الغنيمة التي في قوله " فلم نغنم " فنفى أن يكونوا غنموا العين وأثبت أنهم غنموا المال فدل على أن المال عنده غير العين وهو المطلوب. وقوله "الضبيب " بضاد معجمة وموحدة مكررة بصيغة التصغير، ومدعم بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين، وقوله "سهم عائر " بعين مهملة وبعد الألف تحتانية لا يدري من رمى به و " الشراك " بكسر المعجمة وتخفيف الراء وآخره كاف من سيور النعل، وقد تقدم جميع ذلك بإعانة الله تعالى، وله الحمد على كل حال.
|